كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد تجد الشاعر منهم ربما زال عن سننهم شيئا، فيقولون له: ساندت، وأقويت، وأكفأت، وأوطأت.
وإنما خالف في السّناد بين ردفين، أو حرفين قبل ردفين، كقول عمرو بن كلثوم:
ألا هبّي بصحنك فاصبحينا ** ولا تبقي خمور الأندرينا

وقال في بيت آخر:
كأن متونهنّ متون غدر ** تصفّقها الرياح إذا جرينا

فالحاء من فأصبحينا {ردف} وهي مكسورة، والراء من جرينا {ردف} وهي مفتوحة.
وخالف في الإقواء بحرف نقصه من شطر البيت الأول، كقول الآخر:
جنّت نوار ولات هنّا حنّت ** وبدا الذي كانت نوار أجنّت

لمّا رأت ماء السّلا مشروبا ** والفرث يعصر في الإناء أرنّت

وكقول حميد بن ثور:
إني كبرت وإنّ كلّ كبير ** ممّا يظنّ به يملّ ويفتر

وخالف في الإكفاء بأن رفع قافية وخفض أخرى.
وخالف في الإبطاء بأن أعاد قافية مرتين.
وقال ابن الرّقاع يذكر تنقيحه شعره:
وقصيدة قد بتّ أجمع بينها ** حتى أقوّم ميلها وسنادها

نظر المثقّف في كعوب قناته ** حتى يقيم ثقافه منآدها

وقال ذو الرّمّة:
وشعر قد أرقت له غريب ** أجانبه المساند والمحالا

هذا قول أبي عبيدة.
وبعضهم يجعل الإقواء رفع قافية وجرّ أخرى.
وقول أبي عبيدة أجود عندي لأن الإقواء من القوّة، والقوّة: طاقة من الحبل، يقال: ذهبت قوّة من الحبل، إذا ذهبت منه طاقة، وكذلك إذا ذهب جزء من البيت، وهو الذي يسمى المزاحف. فقد ذهبت منه قوة، كما ذهب قوة من الحبل، كما قال ذلك:
لما رأت ماء السلا مشروبا

فقد ذهب منه شيء، فلو قال: مشروبة لكان مستويا.
وللعرب المجازات في الكلام، ومعناها: طرق القول ومآخذه. ففيها الاستعارة:
والتمثيل، والقلب، والتقديم، والتأخير، والحذف، والتكرار، والإخفاء، والإظهار، والتعريض، والإفصاح، والكناية، والإيضاح، ومخاطبة الواحد مخاطبة الجميع، والجميع خطاب الواحد، والواحد والجميع خطاب الاثنين، والقصد بلفظ الخصوص لمعنى العموم، وبلفظ العموم لمعنى الخصوص مع أشياء كثيرة ستراها في أبواب المجاز إن شاء اللّه تعالى.
وبكل هذه المذاهب نزل القرآن ولذلك لا يقدر أحد من التراجم على أن ينقله إلى شيء من الألسنة، كما نقل الإنجيل عن السّريانية إلى الحبشيّة والرّومية، وترجمت التوراة والزبور، وسائر كتب اللّه تعالى بالعربية لأن العجم لم تتّسع في المجاز اتّساع العرب.
ألا ترى أنك لو أردت أن تنقل قوله تعالى: {وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ} [الأنفال: 58]- لم تستطع أن تأتي بهذه الألفاظ مؤدية عن المعنى الذي أودعته حتى تبسط مجموعها، وتصل مقطوعها وتظهر مستورها، فتقول: إن كان بينك وبين قوم هدنة وعهد، فخفت منهم خيانة ونقضا، فأعلمهم أنك قد نقضت ما شرطت لهم، وآذنهم بالحرب لتكون أنت وهم في العلم بالنّقض على استواء.
وكذلك قوله تعالى: {فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11)} [الكهف: 11] إن أردت أن تنقله بلفظه، لم يفهمه المنقول إليه، فإن قلت: أنمناهم سنين عددا، لكنت مترجما للمعنى دون اللفظ.
وكذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْيانًا (73)} [الفرقان: 73] إن ترجمته بمثل لفظه استغلق، وإن قلت: لم يتغافلوا أدّيت المعنى بلفظ آخر.
وقد اعترض كتاب اللّه بالطعن ملحدون ولغوا فيه وهجروا، واتبعوا {ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7] بأفهام كليلة، وأبصار عليلة، ونظر مدخول، فحرّفوا الكلام عن مواضعه، وعدلوه عن سبله.
ثم قضوا عليه بالتّناقض، والاستحالة، واللّحن، وفساد النّظم، والاختلاف.
وأدلوا في ذلك بعلل ربما أمالت الضّعيف الغمر، والحدث الغرّ، واعترضت بالشبه في القلوب، وقدحت بالشكوك في الصدور.
ولو كان ما نحلوا إليه على تقريرهم وتأوّلهم- لسبق إلى الطعن به من لم يزل رسول اللّه، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، يحتجّ عليه بالقرآن، ويجعله العلم لنبوّته، والدليل على صدقه، ويتحداه في موطن بعد موطن، على أن يأتي بسورة من مثله. وهم الفصحاء والبلغاء، والخطباء والشعراء، والمخصوصون من بين جميع الأنام بالألسنة الحداد، واللّدد، في الخصام، مع اللّب والنّهى، وأصالة الرّأي. وقد وصفهم اللّه بذلك في غير موضع من الكتاب، وكانوا مرّة يقولون: هو سحر، ومرة يقولون: هو قول الكهنة، ومرة: أساطير الأولين.
ولم يحك اللّه تعالى عنهم، ولا بلغنا في شيء من الروايات- أنهم جدبوه من الجهة التي جدبه منها الطاعنون.
فأحببت أن أنضح عن كتاب اللّه، وأرمي من ورائه بالحجج النيّرة، والبراهين البيّنة، وأكشف للناس ما يلبسون.
فألفت هذا الكتاب، جامعا لتأويل مشكل القرآن، مستنبطا ذلك من التفسير بزيادة في الشرح والإيضاح، وحاملا ما لم أعلم فيه مقالا لإمام مطّلع- على لغات العرب لأري به المعاند موضع المجاز، وطريق الإمكان، من غير أن أحكم فيه برأي، أو أقضي عليه بتأويل.
ولم يجز لي أن أنص بالإسناد إلى من له أصل التفسير إذ كنت لم أقتصر على وحي القوم حتى كشفته، وعلى إيمائهم حتى أوضحته، وردت في الألفاظ ونقصت، وقدّمت وأخرت، وضربت لبعض ذلك الأمثال والأشكال، حتى يستوي في فهمه السامعون.
وأسأل اللّه التجاوز عن الزّلة بحسن النية، فيما دللت عليه، وأجريت إليه، والتوفيق للصواب، وحسن الثواب.
الحكاية عن الطاعنين:
وكان مما بلغنا عنهم: أن يحتجّون بقوله عز وجل: {وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] وبقوله: {لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42].
وقالوا: وجدنا الصحابة، رضي اللّه عنهم، ومن بعدهم، يختلفون في الحرف:
فابن عباس يقرأ: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف: 45] وغيره يقرأ: {بَعْدَ أُمَّةٍ} وعائشة تقرأ: {إذ تلقونه} [النور: 15] وغيرها يقرأ: {تَلَقَّوْنَهُ} وأبو بكر الصديق يقرأ وجاءت سكرة الحقّ بالموت والناس يقرؤون: {وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} [ق: 19].
وقرأ بعض القراء: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكًَا} وقرأ الناس: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكًَا} [يوسف: 31]. وكان ابن مسعود يقرأ: {إن كانت إلا زقية واحدة} [يس: 29] ويقرأ: {كالصوف المنفوش} [القارعة: 5].
مع أشباه لهذه كثيرة، يخالف فيها مصحفه المصاحف القديمة والحديثة. وكان يحذف من مصحفه أمّ الكتاب ويمحو المعوّذتين ويقول: لم تزيدون في كتاب اللّه ما ليس فيه؟.
وأبيّ يقرأ: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها} [طه: 15] من نفسي فكيف أظهركم عليها.
ويزيد في مصحفه افتتاح دعاء القنوت إلى قول الداعي: «إن عذابك بالكافرين ملحق» ويعدّه سورتين من القرآن.
والقرّاء يختلفون: فهذا يرفع ما ينصبه ذاك، وذاك يخفض ما يرفعه هذا.
وأنتم تزعمون أن هذا كله كلام رب العالمين، فأيّ شيء بعد هذا الاختلاف تريدون؟ وأي باطل بعد الخطإ واللحن تبتغون؟.
وقد رويتم من الطريق الذي ترتضون: روى أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت:
ثلاثة أحرف في كتاب اللّه هنّ خطأ من الكاتب: قوله: {إِنْ هذانِ لَساحِرانِ} [طه: 63].
وفي سورة المائدة: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ} [المائدة: 69].
وفي سورة النساء: {لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ} [النساء: 162] حدثناه إسحاق بن راهويه.
قالوا: ورويتم عن عثمان أنه نظر في المصحف فقال: أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها.
وقالوا: وهل التناقض إلا مثل قوله: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (39)} [الرحمن: 39] وهو يقول في موضع آخر: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (93)} [الحجر: 92، 93].
ومثل قوله: {هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (35) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36)} [المرسلات: 35، 36].
ويقول في موضع آخر: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)} [الزمر: 31].
ويقول: {هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} [البقرة: 111].
ومثل قوله: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (25)} [الطور: 25، والصافات: 27].
وهو يقول في موضع آخر: {فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ} [المؤمنون: 101].
ومثل قوله: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدادًا ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (9)} [فصلت: 9].
وقال بعد ذلك: {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (11) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 11، 12] فدلت هذه الآية على أنه خلق الأرض قبل السماء.
وقال في موضع آخر: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّماءُ بَناها (27) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (28)} [النازعات: 27، 28] ثم قال: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (30)} [النازعات: 30].
فدلت هذه الآية على أنه خلق السماء قبل الأرض.
ومثل قوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6)} [الغاشية: 6].
وهو يقول في موضع آخر: {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (35) وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36)} والضريع: نبت، فهل يجوز أن يكون في النار نبات وشجر، والنار تأكلهما؟.
ومثل قوله تعالى: {وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)} [الأنفال: 33]، ثم قال على أثر ذلك: {وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ} [الأنفال: 34].
وقالوا: فأين قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى} من قوله: {فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ} [النساء: 3].
وأين قوله: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِيامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ}، من قوله: {ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المائدة: 97].
وأين قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ} من قوله: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [لقمان: 31]، أو ليس هذا مما يستوي فيه الصبّار والشّكور وغير الصبّار والشّكور؟.
وما معنى قوله: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ} [الحديد: 20]؟ ولم خص الكفار دون المؤمنين؟ أو ليس هذا مما يستوي فيه المؤمنون والكافرون، ولا ينقص إيمان المؤمنين إن أعجبهم؟.
وقالوا في قوله عز وجل: {خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ} [هود: 107]: استثناؤه المشيئة من الخلود، يدل على الزوال، وإلا فلا معنى للاستثناء. ثم قال: {عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108]، أي غير مقطوع.
وقالوا في قوله: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى} [الدخان: 56]:
كيف يستثنى موتا كان في الدنيا من مكثهم في الجنة؟ وهل يجوز أن يقال في الكلام:
لا أعطيك اليوم درهما إلا ما أعطيتك أمس؟.
وقالوا في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96)} [مريم: 96]: هل يجوز أن يقال: فلان يجعل لك حبّا، أي يحبك؟.
وفي قوله: {وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتًا (9)} [النبأ: 9] والسّبات هو: النوم، فكيف يجوز أن يجعل نومنا نوما؟.
وفي قوله: {وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (15) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان: 15، 16] وقوله: {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (33)} [الذاريات: 33]: كيف يكون زجاج من فضة؟ وحجارة من طين؟.
وقالوا في قوله: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (94) وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (95)} [يونس: 94، 95]: هل كان النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، يشك فيما يأتيه به جبريل؟ وكيف يدعو الشاكين من هو على مثل سبيلهم؟ وكيف يرتاب فيما يأتيه به الروح الأمين، ويأتيه الثّلج واليقين بخبر أهل الكتاب عنه أنه حق، وهم يكذبون ويحرّفون ويقولون على اللّه ما لا يعلمون؟.
وقالوا في قوله: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 62]: أنتم تزعمون أنه لا شمس هناك ولا ليل، وهذا يدل على أوقات مختلفة، وشمس وفيء، ونهار وليل، لأن البكرة تدل على أول النهار، والعشيّ يدل على آخره، وما كان له أول وآخر فله انصرام، وإذا انصرم عاقبه الليل والنهار.
وقالوا في سورة الأنفال، حين ذكرها، ثم وصف المؤمنين فقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيمانًا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال: 2- 4]، ثم قال: {كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} [الأنفال: 5]: وكما تأتي لتشبيه الشيء، ولم يتقدم من الكلام ما يشبّه به إخراج اللّه إياه.